آخر العناوين
مقالات

في آخر زمن ” الميكروفون “

- فوزي بن ميلاد .

تقترب المذيعة أكثر باتجاه الميكرفون ، تتأوه قليلا ، تضحك ، فاصل موسيقي ، إشارة من المنفذ ، ويبدأ سيل المعلومات التي لاتحد تحدثك في السياسة والاقتصاد والقانون والجوع والحوادث والمشاكل العائلية والطقس والمرور والازدحام ، تغادر المحطة باتجاه أخرى ضليع اخر في القواعد والنحو والصرف يرتاح على مدى ساعتين من عمر الزمن الضائع تحت شعار البث المباشر ليحدثك عن غلاء الأسعار وارتفاع سعر الصرف ولا ينسى ان يهدي “صغار شارعهم” كم من مقاطع الأغاني الهابطة بعد البث المباشر تحاول الانتقال الى وجهة أخرى لتجد نفسك تستمع الى “هدرزة مرابيع” مع احدى الشخصيات المحسوبة على النخبة لتصفعك أغنية شوارعية أخرى وتتعدد الأصوات والأسماء والتأوهات والمسألة تتعلق بموجات ( ألاف . إم ) حيث تحتل الإذاعات التي معظمها يطلع من غرف صغيرة مظلمة بين الزقاق حيث اكثر من (30) إذاعة تحاول ان تضرب اكتاف بعضها لتحتل مسافة في البث بين 87.7 ميجاهرتز و الـ 108.0 حيث تحتشد الأن هذه الإذاعات في وقت ربما تستعد فيه أخرى للإرسال خلال أيام او شهور.

المشكلة انه في ظل هذا التعدد وهذا الكم من الإذاعات المسموعة حيث ينطلق استخفاف بالذوق العام وانعكاس لحالة اهتراء تغتال ما تبقى من علاقة كانت قائمة في يوم من الأيام بين الإذاعة والمستمع بعدما تحولت هذه الإذاعات الى فلاشات وبرامج مسابقات تافهة وإعلانات تجارية .

والمسألة لا تتعلق فقط بعشوائية هذه الإذاعات وتعددها ومستواها وكيفية تأمين مواردها اذا ما سلمنا ان هذه الظاهرة شهدتها بعض الدول الأخرى ولكن بصورة منظمة ومدروسة بل تطرح سؤالا مهما من خلال المستوى الذي تطل به هذه الوسائل الإعلامية التي تعكس حالات متعددة ففي ظل هذا الانتشار “ للأمية” المنظمة التي تقف وراء هذا النهج يبدو الانفصام الثقافي الذي يزداد اتساعا مبررا لجهة الابتعاد عن هذه الظاهرة ، فلا معنى للشعر ، والكلمة ، والموقف والثقافة والمسلسلات الاذاعية الهادفة بشكلها العام في وقت تسيطر فيه السطحية على منطق الأشياء.

يمكننا في جولة موجزة لمعظم الإذاعات باستثناء الدينية منها أن يتبين لنا ما يلي:

نسبة الارسال تتراوح بين 16 و 24 ساعة ، البرامج الثقافية (2) بالمائة فقط وفي بعض الإذاعات تنعدم تماما هذه البرامج هذا عدا ان مستوى ما يقدم لا يتعدى اطار المقابلات السطحية ،(40) بالمائة من الارسال اغان وموسيقى معظمها من الموجة الجديدة لمطربي الأجيال في هذه المرحلة ولا علاقة لها بالأصالة الليبية.

(50) بالمائة برامج اتصالات ومسابقات وإعلانات تجارية متعددة الأساليب ( 8 ) بالمائة نشرات وأخبار موجزة وتعليقات سياسية رنانة وفلاشات وما تفيض به غرف التحرير من تقرعات.

ان معظم الإذاعات التي انتجتها الفوضى الإعلامية وجدت في نهج مونتي كارلو أسلوبا سهلا يمكن الانتماء اليه في محاولة للتمرد على الواقع الإعلامي الذي كان سائدا في الإذاعة الرسمية فهذه الإذاعات التي لا تملك ميزانيات معينة لإنتاج البرامج وجدت في عبثيتها انها قادرة على ملء الفراغ الزمني بالمنوعات الغنائية التي يمكن ربطها عبر قراءات من هنا وهناك لمذيعين ومذيعات يمكن جمعهم كيفما تيسر ، وهو ما صار اليوم مبدأ ثابتا لدى معظم الإذاعات على موجة ( الاف إم ) .

أن المشكلة لا تكمن في اللهجة العامية المتزنة أو أخطاء نحوية ولغوية يمكن تبريرها أحيانا بل في ذلك الأسلوب الركيك واللهجة الشوارعية وكم المعلومات التي تصر مذيعة او مذيع على التقيؤ بها يوميا على اعتبار انها معلومات خاصة وذات قيمة حصل عليها معد البرنامج.

لقد ساهم الراديو في تشكيل وعينا وتعزيز خياراتنا في الحياة وأصبح جزءاً من الذاكرة ونافذة للحنين ولهذا نكتب هذا الكلام في ظل غياب المحاسبة الناجعة للإعلاميين ألمتجاوزين وتغيير طريقة عملهم الخاطئة ستظل أخطاء الإعلام تتفاقم ولا عزاء للجمهور ولمهنة الإعلام.

كان هناك مذيعات ومذيعين الربط ومذيعين ومذيعات نشرات الأخبار وآخرين وأخريات لإعداد وتقديم البرامج يملكون الى جانب الموهبة اجادة اللغة والثقافة والصوت الجميل والإلقاء والمظهر المحترم…

وكان المذيع عادة يخضع لدورة كاملة على مدي ستة أشهر أو يزيد فقط ليصل الى وقت يستطع فيه ان يقول جملة ربط واحدة.

تقول الإعلامية عايدة الكبتي أول قارئة للأخبار بالراديو الليبي أن “نشرة الأخبار في زماني شبه مقدسة، لا يمكن أن تتأخر ولو لثواني قليلة بل يجب أن تكون في موعدها بالضبط، ومن يخطئ في القراءة يتم إيقافه فوراً ولا يسمح له بذلك مرة أخرى إلا بعد أن يحسن من أداءه”.

وتقول “إن هذا العمل كان صعبا حيث يتطلب الأمر مراجعة الأخبار أولا وتشكيل الحروف ووضع نهاية الجمل وأماكن الوقوف إضافة إلى معرفة تفاصيل الخبر ومتى أسترسل ومتى أتوقف والتصرف بسهولة عندما يوضع خبر مكان آخر”.

وتضيف “كل ذلك تطلب مني الدقة وهذا يمثل تحدّيا أمرُّ به يومياً”.

اليوم لا تحدي ولا مشكلة عندنا ولاهم يحزنون.. فثمة من يستطيع ان يبقى 5 او 6 ساعات وراء الميكرفون وهو يلوي عنق لهجتنا العامية الجميلة ويكسر رقبة لغتنا العربية الأصيلة.

إذاعات بالجملة ومذيعون ومذيعات ولا حساب مع الوقت !!

فوزي بن ميلاد

فوزي بن ميلاد

About Author

5 1 تصويت
تقييم المقال

اترك رد

0 تعليقات
ردود مضمنة
عرض كل التعليقات

قد يعجبك أيضا

مقالات

المجون في كره الفنون

 التنوع أساس الحياة والله خلق البشر أشكال والوان كما باقي المخلوقات من جماد ونبات وحيوان والناس أذواق  هذا لاشك فيه ،
مقالات

الشنار .. يا عمي أوسكار.

في هذه المقالة أو التدوينة أو ( التخربيشة ) سمها ما شئت، سأتحدث عن ( الأوسكار) وهي جائزة من عدة
0
للتعليق على المقال.x
()
x