فن المالوف والموشحات من التراث الليبي الأصيل

كتبت - فاطمة سالم عبيد
كان أبي الراحل سالم عبيد من ضمن مؤسسي فرقة المالوف والموشحات مع الراحل عريبي الفرقة التي اجتهدت في المحافظة على فن المالوف والموشحات الفن الأصيل الذي سعي إلي تهذيبه عدة مشايخ هذا الفن العربي وعلي رأسهم الراحل الأستاذ حسن عريبي حيث برز اجتهاده في تلحين عدة قصائد حققت نجاح باهر في كل مشاركتها بالمهرجانات التي تقام في الدول العربية الشقيقة ومن بينها :
مصر والمغرب والجزائر وتونس التي كانت توجهه الدعوات إلي فرقة المالوف والموشحات العربية للمشاركة في مهرجان التستور الذي يقام سنوية بها وكانت فرقة المالوف والموشحات الليبية تتحصل علي الترتيب الأول من بين كل الفرق العربية المشاركة حينها ….
سجلت فرقة المالوف والموشحات بقيادة الراحل الفنان حسن عريبي قبل وفاته ألبومها الغنائية الأول الذي قام بتهذيب بعض الأغاني الموشحات ونوبات المالوف وتم توزيع هذا البوم في كل ربوع ليبيا الحبيبة ووصل أصداه إلي خارج الحدود.
حيث تم تسجيل النوبات والموشحات من قبل المرحوم حسن عريبي وجميع أعضاء الفرقة بما فيهم أبي الغالي الراحل المنشد سالم صالح عبيد .
وكان التسجيل علي أقراص وذلك في أستوديو مجمع الفتح الثقافي وبعد ذلك انتهت عملية التسجيل بجمهورية مصر العربية وقد تضمن الألبوم اثنى عشر شريط كاسيت إلي جانب صدور كتيب مصغر يحمل عنوان ( المقتطفات من فنون المالوف الموشحات )….
كيف ننسى مهرجانات المالوف التي كانت تقام سنوية ويحمل كل سنة فيها اسم أحد المشايخ الرحلين الي رحمة الله .
وكانت هذه المهرجانات بمسرح الكشاف وقصر الخلد ويشرف عليها أساتذة مميزين بنشاطهم الفني ومنهم أستاذ سالم سلطان والأستاذ عبد السلام سعيد وغيرهم من المهتمين علي المهرجانات ومن هذه الدورات لمهرجان المالوف والموشحات في دورته الثامنة والتي تحمل أسم المرحوم (حسن عريبي ) وطبعا غيرها من الدورات العديدة التي كانت تقام وحملت أسماء رواد في هذا الفن الأصيل.
وهذه رحلة فنية عن جزء من التراث الليبي الأصيل عن فن المالوف والموشحات ونشأته وأصوله العربية.
“المالوف” فن ليبي أصيل، وجزء من التراث العريق في ليبيا، وهو صامدٌ حتى اليوم في وجه كل التحديات التي تواجه الفنون التراثية في العالم، ويعود هذا الفن في ليبيا إلى القرن الثاني عشر ميلادي، ويعبر عن عبقرية العرب القدامى في ميادين الموشح والزجل العامي أيضاً بهذا الفن مع ذكرى المولد النبوي الشريف عليه الصلاة والسلام، فشهر ربيع الأول، هو موسم “المالوف” أيضاً، ليصادف مع الشهر الذي ولد فيه سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم.
فـ”المالوف”، سلسلة من الموشحات والزجل يضاف إليها بعض القصائد الصوفية المعروفة بالمكّاوي، والتي يتفنن مشايخ “المالوف” في حشرها داخل نوبة “المالوف”، وذلك إرضاءً وتصديقاً لمقالات المتصوفة التي أجمعت على أن التغزل الموجود في “المألوف” إنما هو تغزل في ذات النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة.. حتى إن القصائد المتواترة وذات الطابع الغزلي عُدلت بعض ألفاظها وتغيرت فيها بعض المعاني ليأخذ عبرها “المالوف” الشكل الصوفي المقصود.
لا يمكن للمرء أن يتحدث عن “المالوف” من دون التوقف عند أهم أعلام هذا اللون الفني قديماً، والذين كان لهم الدور الكبير في استيطان “المالوف” في ليبيا، وهما أبوبكر بن باجه وأمية بن عبد العزيز، ويضاف إليهما من ساهم في انتشار هذا الفن في فترات زمنية سابقة من أعلام متصوفين كشُعيب بن أبي مدين، ومحي الدين بن العربي.
اسم الفن يحكي عن نفسه، فأصله من لفظة (المالوف)، ما ألفه الناس، وهذا ما حظي به فن “المالوف” في ليبيا، فقد ألفه عدد كبير من الليبين كونهم يعبرون من خلاله عن أحاسيسهم ومشاعرهم، بالرغم من أن هذا الغناء بات ينحو تجاه الأناشيد التي يغلب عليها طابع المدح في الرسول الكريم عليه أطيب الصلاة والسلام.
وقد عرف بأسماء مختلفة في بلدان المغرب العربي إذ يسمى بـ”فن الآلة” في المغرب أو”الغرناطي” في بعض مدن غرب الجزائر، بينما يسمى بـ”الصنعة” في العاصمة الجزائرية، ولكن يحتفظ باسم “المالوف” في كل من ليبيا وتونس.
حرص الليبيون على ما خلفه الأجداد للأحفاد من تراث قيّم في المجال الفني حرصهم على كل غالٍ وثمين، فـ”المألوف” الأندلسي في نظرهم هو زاد السماع المفضل ومجال الطرب الحقيقي لما يحتوي عليه من نصوص أدبية غاية في روعة التركيب البلاغي والألحان الشجية المتآلفة في شكل السهل الممتنع، وقد استطاع العقل الليبي بما يحمله من قدرة الإبداع أن يطور هذا الفن وينقله من روح القرون الوسطى إلى فكرة الفن المعاصر، وبذلك أصبح المألوف يجاري العصر بطبيعته وطربه.
ويقال أيضا عنه أن “عندما نزح فن “المالوف” إلى بلاد الشمال الأفريقي كان يؤدى بطريقة واحدة، ولكن هذه النوبات تطبعت بطابع كل بلد حلت فيه وتأثرت بعادات وتقاليد الأقوام الذين حلت بينهم”.