آخر العناوين
فنون شعبية

الرغاّطة

بلا رغاطه ما يلتم … الصابا غير انشد لقدم

   يعتبر مصطلح “ الرغاطة “ في اللهجة الوطنية الليبية من الألفاظ العربية الأصيلة التي وقع فيها بعض التحوير في أحد حروفها وهذا شائع حسب متابعتنا لألفاظ اللهجة العربية الليبية، ويمكن رد أصلها إلى كلمتين هما:

الأولى: أن يكون أصلها من الرهط والرهاطة، فأبدلت الهاء غاء لثقلها في اللسان العربي الليبي فأصبحت رغاطة. والتحوير في حرف الهاء كثيرا ما وقع في لهجتنا الليبية مثل كلمة “ نوض” بمعنى : انهض، أصلها من : نهض، فحذفت الهاء لثقلها على اللسان الليبي فيقال: ناض، بمعنى نهض، والمقصود استيقظ، وتستعمل أيضا في معنى : قام أو قم (نوض) .

    والثانية : قد يكون أصل الكلمة الرغادة وهي من الرغد، ولكن أبدل فيها حرف الدال إلى الطاء لحنا من العوام بالتداول. وهو الأقرب للصواب من حيث اللغة لأن الرغط لا معنى لها لغة بينما الرغد لها معنى.

المعنى المقصود من الرغاطة (الرهاطة/ الرغادة):

والوجهان السابقان مقاربان للصواب من حيث المعنى المقصود.

فكرة الرغاطة (الرغادة) مفهومها في العرف الليبي أن أهل الحي أو القرية أو القبيلة ..إلخ إذا ما عجز أحد أفراده عن تحصيل مسكن أو خيمة تؤويه وذويه أو انهدم بيته بزلازل أو انجراف أو حرب… إلخ فإن أهل الحي يجتمعون جماعات بالتناوب ويبنون له بيتا أو يقيمون له خيمة لمبيته، بل إذا مات أحدهم وترك زرعا بلا حصاد فإنهم لا يتركون الأرملة وأطفالها للحصاد وإنما يتقاسمون أدوارهم للحصاد لهم .. وهي مشاركة تبادلية تبلغ حد الإلزام، وهي تنحصر في تقديم المساعدة أو العون البدني والعيني في نشاطات عدة، ولا يجوز أن يقدم العون النقدي تحت اسم (الرغاّطة) أي أن يأخذ شخص ما أجره مقابل هذا العمل، ويفترض في الرغاّطة أن تتعلق بممارسات موسمية محددة ومحدودة بوقت معين فلا رغاّطة في التجارة أو الرعي وهذه أعمال ممتدة لا تحدد بموسم معين، ومن ثم فإن الرغاّطة تكون في جز الأغنام (الجلامة) والبذر والحرث والحصاد والدراس، وتمثل الرغاّطة صورة من صور التكافل الاجتماعي الذي تفرضه الطبيعة البيئية والظروف الطبيعية والاقتصادية ومحددات النظام القبلي. على أن هذه العادة آخذة في الاندثار أو الانحسار الآن بحكم التوسع في الزراعة ودخول الآلات الزراعية والاعتماد على العمالة الوافدة، وهذا الأمر نفسه بالنسبة لعملية جز الأغنام حيث يستعان بجزازين (جلاّمة) وافدين .

وكما قلنا في السنوات الأخيرة ومع انتهاء الألفية الثانية بدأت “الرغاطة” تنتهي تدريجيًا مع تغلب المادة على تعاملات المجتمع البدوي الحديث.

ولكن تبقى الرغاطة لها رونق خاص وذكريات لا تُنسى عند أهل البادية، فكل مناسبة أو موسم تكون بمثابة الفرصة لإلقاء الشعر والشتاوى التحفيزية أثناء العمل، وكانوا قديمًا يعتمدون على الرغاطة بشكل كبير لانعدام العمالة في ذلك الوقت، ويتراوح عدد الرغاطة ما بين 10 إلى 15 فردًا حسب كمية العمل، كما يجرى التنسيق فيما بينهم على العمل أو الرغاطة عند كل فرد منهم وبالدور على أن يُحدد يوم العمل، إذ يقومون بترتيب وإخبار جميع الرغاطة قبل العمل بيوم أو يومين، والرغاطة غالبًا ما تكون مجموعات “شباب، ورجال، ونساء” ففي حالة الرغاطة بين العائلات تقوم العائلات بالذهاب بأطفالها للعائلة التي يقومون بمساعدتها.

والرغاطة لا يطلبها أحد بل تأتي بمبادرة من مجموعة معينة تتفق على مساعدة الشخص الذي يوجد عنده العمل وليس باستطاعته إنجازه بمفرده، فيقومون بإخبار هذا الشخص سواء كان جار أو صديق أو ابن عم، وهي عبارة عن سلف يقوم بسداده كل منهم حسب طبيعة العمل.

وتعتبر الرغاطة رفع معاناة الجار من عمله، وبالعمل الجماعي يسهل كل صعب أي إن كان طبيعة العمل، وفى البادية كانوا يقدمون يد المساعدة في الحصاد أكثر شئ، ومن بعدها الجلامة والزراعة، ولكن تبقى عملية الحصاد هي التي تتطلب أكثر عدد ممكن من العمال أو الرغاطة لأن الزراعات تكون على مساحات كبيرة قد تزيد فترة الحصاد عن الشهر في حال عدم وجود رغاطة، لذا كانت البادية تفضل العمل الجماعي ودون مقابل شريطة رد المساعد أو رد الرغاطة، وهذا يستفيد منه الجميع، والرغاطة تشعل الحماس لدى الجميع مع ترديد البعض عبارات محفزة للرغاطة، مثل:

 سَلم ارْجالِك ,, فَضَّوا بالِك “يازرع إنجل جاك المنجل” مخاطبًا الزرع بأن ينحصد بسهولة لأن آلة القص جاءتك.

و دائمًا ما يتعلق العمل الجماعي في البادية بتناول أبيات الشعر والشتاوى والطرب، ومن بين هذه الشتاوى:

 “يازرع الصابا جوك طرابة”، وهُنا يخاطب الشتاى الزرع قائلاً: “يا زرع الخير الرغاطة جائو فرحين لحصادك”، كما يستطرد أحدهم عند مشاهدة الرغاطة في الحصاد من الأمام قائلاً:

 “طبسة وسكوت أرقاب الحوت” أي أن الرغاطة رقابهم في الاتجاه الأسفل مشبه إياهم بالحوت، والرغاط في البادية لا يعمل بكسل ولا يهاب النبات في الزرع، ويقول أحدهم: “يازرع الشوك أهلك شالوك” يخاطب الحصاد الزرع الذي به الشوك قائلاً : “أهلك حصدوك أو رفعوك”.

و “لا تقتصر الرغاطة على الرجال في المجتمع البدوي، بل أن المرأة أيضًا تقوم بمساعدة بعضها البعض، فالمرأة تساعد في جمع الحطب قديمًا وفي صناعة الحاف والنسيج، إضافة إلى صناعة الخيمة البدوية، والتي لا يقدر الرجل على صناعتها، كما أن المرأة البدوية تقوم بمساعدة بعضها في الحصاد، وتكون الرغاطة بين العائلات، وكذلك الجلامة تقوم النساء بالمساعدة في طهي الطعام للجلامة، ولكن الآن انعدمت الرغاطة شبه كليًا سواء بين النساء أو الرجال بسبب تغلب المادة على حياة المجتمع البدوي كما ذكرنا سابقا”.

وللتذكير فقد يرجع اصل الرغاطة إلى مصر حبث يقال إنها برزت في أرض الكِنانة، خلال بناء الأهرامات، إذ تعاون المصريون في تشييدها بعيدا عن الإكراه والعبودية بل انطلاقا من إرادة واحدة على إنجاز العمل بروح ويد الجماعة وهذه الهمة انتقلت بعد ذلك إلى دول شمال أفريقيا تونس والجزائر وليبيا والمغرب وخاصة في القرى والأرياف حتى غدت مظهرا من مظاهر التآزر بين أفراد العائلة أو أبناء القرية أو المنطقة.

0 0 أصوات
تقييم المقال
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
ردود مضمنة
عرض كل التعليقات

قد يعجبك أيضا

فنون شعبية

غناوي هلنا

  • 5 مايو، 2020
تعتبر أغنية العلم من أعرق الأغاني في ليبيا ومن أكثرها إنتشاراً وعلى الرغم من إختلاف في الأداء بين منطقة وأخرى
فنون شعبية

عيشة هلنا (1)

  • 8 أكتوبر، 2021
- الصناعات التقليدية متنوعة، وتنفذ بخامات مختلفة، وهي أشغال يدوية في مجملها مثل:
0
للتعليق على المقال.x
()
x