المسرح هو حياة وفعل وموقف وتجسيد وليس كلمات تكتب على الورق فحسب ..عندما كنت اعبر الممر المودي لخشبة مسرح معهد جمال الدين الميلادي كنت امتص تلك التساؤلات الغريبة التي تتماوج داخل اعماقي .. كيف يعيش أفراد فرقة المسرح الوطني طرابلس عملية الولادة الجديدة؟
كيف يستعدون لاستقبال الزغاريد التي تعلن عن المولود الجديد من رحم التعثر ؟
الظلال المشجعة تنكمش في ضلوعي وشئ ما يدفعني للعودة من حيث أتيت ومع تلك المعركة الترددية في أعماقي .. فوجئت بأنني اجتاز ذلك الممر داخل المعهد وأصوات مختلفة تتدافع الى مسامعي وجدت نفسي وجها لوجه امام أفراد الفرقة وهم يُجْرُون البروفات النهائية للعمل المسرحي ( ألف ليل وعين ) الذي سيقدمونه ضمن خارطة الدورة الثانية عشر للمهرجان الوطني للمسرح الذي تقيمه وتشرف عليه الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون .. أحسست أني جئت في وقت غير مناسب وأنني سأقطع الاندماج الذي يعيشونه وهذا ما يمنعني غالبا من حضور أي تسجيلات أو بروفات قد يجريها أي كان سواء على مستوى الأفراد ام الفرق .. اخترت الجلوس بجانب ( الباشا ) الفنان علي الشول مدير فرقة المسرح الوطني وعيناي مشدودتان بقوة على خشبة المسرح ..
المشهد الذي ينتزع تفكيري عبارة عن مجموعة من الكراسي في خلفية المسرح ومجموعة من الكراسي بيد الممثلين وأخري للجلوس أعتقد أنني أشاهد مشهد من المشاهد الأخيرة للمسرحية وهذا ما فهمته.. فجأة يصيح المخرج معترضا على طريقة الإلقاء وقاطعا انتباهي المشدود للمشهد ليتوقف المشهد ويلقي المخرج بأوامره من جديد وتعود الحياة للمشهد وتعود مسامعي لامتصاص الحوار من جديد ويتحرك النص ويبقى الممثل في رهان صعب بين حفظ الدور وبين تجسيده على خشبة المسرح .. لا أريد أن أحرق المراحل ولا أريد ذكر أسماء أو تفاصيل يكفي أن أقول أن أسماء كبيرة ولامعة ستشارك في هذا العمل من ممثلين وفنيين أكفاء ومحترفين وإدارة خبيرة ومخرج متمكن.. عمل سيجمع بين الشعر والموسيقى والكتابة والتمثيل والتصوير .
أنا اعرف حجم الصعوبات والمتاعب الذي مر بها هذا العمل وحالة المد والجزر التي مرت على طاقم العمل ولكن العزيمة والإصرار على تحقيق الحلم وحتى يرى هذا العمل النور كانت أكبر من كل العراقيل .. كل الشكر لمدير فرقة المسرح الوطني طرابلس وللمركز القومي للمسرح وللهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون على تدليل كل الصعاب .. وكذلك كل التقدير لمن ساهم وعمل في انجاز هذا العمل من فنانين وفنيين وإداريين .. المسرح يعود وفرقة المسرح الوطني تتعافى وتحرك الدماء في أوردة الحياة المسرحية .
نحن في انتظار أن نشاهد هذا العمل بالكامل ونتمنى أن تكون العودة بمستوى تاريخ فرقة بحجم فرقة المسرح الوطني طرابلس والتي تعتبر أكاديمية خرجت المئات ما بين ممثلين وفنيين ومخرجين وقدمت أعمال لازلت في ذاكرة المسرح الليبي .. ابتداء من حسناء قورينا وشكسبير في ليبيا والأقنعة ونقابة الخنافس مرورا بملحن في سوق الثلاثاء والحب بالدينار وحمل الجماعة ريش ووصولا الى ألف ليل وعين .. #ولحيا_المسرح .